18‏/02‏/2009

أضحكني أحد المُنَكِتين عندما سمعني أقول بأنني سوف أذهب إلى إحدى المناطق الصحراوية السامية الفقيره
قائلاً وناصحاً لعدم الذهاب وحجته بأن الجندي الأمريكي المرسل إلى العراق لمدة ستة أشهر يرجع لبلدهِ مريضاً ومعتوه نفسياً على الرغم من غناء ودلال أمريكا لجيشها ومذكراً إييا بأنني أنا صاحب فكرة " بأن جبرائيل تعب وملّ من القبائل السامية لذلك طلبَ من مديره بصدرة المنتهى بأن يرسله للتقاعد وبعدَ كم يوم من التفكير قرّر المدير بأن يذهبا سوية للتقاعد
فأنا أنصح الذين بقوا خارج المناطق السامية لمدة طويلة لعدم الزيارة والإ نفس مصير الجندي الأمريكي

Erviil Ziadeh

26‏/01‏/2009

النضج "العاطفيّ – الجنسيّ" و ديناميّاته

بقلم : self directive

إنّ الإنسان مذ كان جنيناً , يعيش نظام علاقاتٍ يعرّف ذاته و يحدّد هويّته من خلالها , فهي تحدّد توجّهات حاجاته و رغباته العاطفيّة و الجنسيّة و تحدّد مستوى نضجها . فالنضج العاطفيّ و القدرة على الإرتباط الوثيق الذي يحمل الرضى و التوافق , و النضج الجنسيّ الذي يحمل الإشباعات و يعزّز الرباط الزوجيّ , ليسا مسألتين حتميّتين تُعطَيان بيولوجيّاّ و يكفي مجرّد النضج الجسمي لضمان نجاحهما و فاعليّتهما . إنّهما نتاج الصحّة الجسميّة بالطبع , إلاّ أنّهما يتشكّلان في سوائهما و اضطرابهما بالتاريخ الشخصيّ بكلّ محمولاته العلائقيّة . فمستوى الرشد العاطفيّ – الجنسيّ هو مسألة تتعرّض للعديد من المتغيّرات و الخبرات الوجدانيّة و العلائقيّة في إيجابيّاتها و سلبيّاتها , و تكون في فرادتها الشخصيّة محصّلةً لها .

لا يصدق ذلك على الإنسان وحده , بما هو كائنٌ اجتماعيّ ينشأ و ينمو و ينشط في علاقاتٍ , بل يصدق أيضاً و بنفس المقدار على الحيوانات العليا التي تُعتبَر محكومة بالغريزة و إمكانات الرصيد الوراثيّ و خصائصه . فهي تعيش خبرات حسّيّة حركيّة تواصليّة تفاعليّة توصلها إلى نضجها الجنسيّ و قدرتها على التكاثر و التزاوج و الإنتماء . و لقد تعدّدت التجارب التي ُفصل فيها الصغار عن أمّهاتهم منذ ميلادهم , و توافقت نتائج تلك التجارب على أنّ هذا الإنفصال يهدّد حياتها ذاتها , كما ينعكس اضطراباً على سلوكها التزاوجيّ حين الوصول إلى مرحلة النضوج الجسميّ . و إذا كان هذا شأن الثديّات فإنّه من البديهيّ أن يكون شأن الإنسان المنخرط في علاقات أكثر غنى و تعقيداً بما لا يُقاس .
من المعروف أنّ الرباط الزوجيّ قادر على تصحيح و علاج الكثير من الإضطرابات الطفيفة , و ذلك إن حدث تكامل بين دوافع و رغبات الزوجين .
كما أنّ هذا الرباط ذاته قد يفاقم من هذه الإضطرابات إذا لم يحدث مثل هذا التلاقي في الدوافع و الرغبات بين الطرفين .
و هذا يفسّر لنا لماذا يفشل رباط زوجيّ بين شخصين ناضجين جسميّاً و عاطفيّاً , بينما ينجح رباطٌ آخر مع شخص آخر .
قام العلماء بدراسة النضج العاطفيّ الجنسيّ و قواه المحرّكة و اتّجاهاته المتباينة من خلال نظريّتين هما النظريّة السيكوديناميّة , و نظريّة التعلّق , اللتان وضّحتا تكوّن الرباط الإنسانيّ و نضج العلاقات العاطفيّة- الجنسيّة و اضطراباتهما , و ما يسندهما من رغبات و هوامات و دلالات و ديناميّات .

نظريّة التعلّق :

تبيّن الأهمّيّة المحوريّة للرباط العاطفيّ مع الأمّ في مرحلة الطفولة الأولى في النضج النفسيّ . فإذا حظي الطفل بالقبول غير المشروط و الرعاية في علاقةٍ وثيقة و مستقرّة مع الأمّ , تتكوّن لديه الطمأنينة القاعديّة, و ينمو المفهوم الإيجابيّ عن الذّات و العلاقات و الدنيا عموماً . فيصبح بذلك قادراً على الإنفتاح الإيجابيّ على العالم , و يبدي المبادرة و يتمكّن من الوصول إلى الإستقلاليّة, كما تنمو ثقته بنفسه و بالآخرين . و هو ما يُطلِق عمليّة نموّه العاطفيّ و الإجتماعيّ و المعرفيّ سواءٌ بسواء . و بالتالي فإنّ متانة الروابط الأوّليّة مع الأمّ ثمّ مع الوالدين و الأهل التي تصنع أسس النضج النفسيّ ’ هي ذاتها التي توفّر شروط النضج العاطفيّ الجنسيّ , باعتبارهما ارتباط إنسانيّ في المقام الأوّل .

و في المقابل فحالات الإنفصال عن الأمّ في سنوات العمر الأولى الحرجة , أو تدنّي نوعيّة العلاقة العاطفيّة معها و مع الأشخاص الذين يعتنون بالطفل , تبيّن الآثار اللاحقة على مستوى النضج العاطفيّ الجنسيّ . إذ يتّضح ذلك من الدراسة الإكلينيكيّة للأطفال الذين نشأوا في ملاجئ لا توفّر الروابط المتينة مع بدائل الأمّ . و يُلاحَظ على هؤلاء استمرار حالة من التبعيّة الطفليّة حين يكبرون تبعاً لدرجة الحرمان . كما يُلاحَظ عليهم قصورٌ في قدرتهم على إقامة روابط عاطفيّة و جنسيّة ناضجة و راشدة . و يتّخذ الحرمان العاطفيّ خلال سنوات المراهقة إمّا طابع عدم الإكتراث الملفت للنظر بالأمور الجنسيّة و الرغبة في المعرفة حولها , أو على العكس يتّخذ طابع الإفراط في الإثارة الجنسيّة التي تهدف في المقام الأوّل إلى البحث عن تلقّي الحنان و العطف و الإهتمام , إضافةً إلى ما توفّره هذه الإثارة من عزاء و سلوى تعوض عن الفراغ الوجوديّ الملازم لقلق الإنفصال .

هنا نحن بصدد إثارة قهريّة تبحث عن التعويض العاطفيّ . و هو مايجعل هؤلاء الناشئين ضحايا جنسيّة محتمَلة من قِبَلِ المستغلّين ليس بدافع الإشباع الجنسيّ , بل بدافع البحث عن الحبّ . و هذا قصورٌ في النضج أكثر ممّا هو نضجٌ مبكّر , تنعكس آثاره على الرباط الزوجيّ لاحقاً .
كما أنّ التعرّض لصدماتٍ عاطفيّة في الطفولة من مثل الفقدان المفجع لأحد الوالدين , أو التعرّض لحالات العنف الزوجيّ بين الوالدين و النزاعات النفسيّة بينهما و ما يحيط بها من تهديدٍ لأمن الطفل و طمأنينته النفسيّة , قد تدفع بعض الفتيات و الصبية إلى المحاكاة بتكرار الدّور لاحقاً في حياتهم , أو العدول عن فكرة الإرتباط و إدارة الظهر لها و إن تمّ الزواج بشكلٍ إجرائيّ فقد يعجزون عن القيام بأعباء الدّور العاطفيّ – الجنسيّ بتأثيرٍ من الدفاعات النفسيّة ضدّ قلق الإعتداء الدفين على أمنهم و طمأنينتهم . و تتّخذ مثل هذه الحالات أشكالاً عدّة كالساديّة أو المازوخيّة أو العجز... و ما إلى ذلك من علل , تقوم بخلخلة نموّ الهويّة الجنسيّة و الخواص الشعوريّة العاطفيّة بدرجاتٍ متفاوتة , ممّا يعيق عمليّة النضج العاطفيّ – الجنسيّ ’ و القدرة على إقامة علاقات زوجيّة مستقرّة , توفِّر الإرضاء و الإشباع للطرفين .

النظريّة السيكوديناميّة :

تطرح هذه النظريّة من جانبها العديد من القضايا المتعلّقة بالصحّة العاطفيّة – الجنسيّة , و من أبرزها تعثّر الإستقلال النفسيّ عن الوالدين او أحدهما من خلال استمرار مختلف حالات التعلّق الطفليّ.
فالأمّ التملّكيّة على سبيل المثال تحول دون استقلال ابنها عنها , و تجهد من خلال إغراقه العاطفيّ و إغداق الرعاية و العناية عليه . و هذا ما يُبقيه في حالة من التبعيّة الطفليّة على الصعيد العاطفيّ , حتّى لو تقدّم في مراحل الرشد الإجتماعيّ . و تحول هذه التبعيّة دونه و دون إقامة رباط عاطفيّ – جنسيّ مستقلّ و راشد . إذ يقوم بالبحث بشكلٍ لا واعٍ عن قرين على غرار صورة الأمّ , أو قرين يتعيّن عليها أن تمثّل الأم في خصائصها و سلوكها . و بالتالي فالرباط الزوجيّ يظلّ في هذه الحالة رهيناً لذلك التعلّق اللاواعي بالأمّ , و هو ما يؤدّي إلى مختلف ألوان سوء التوافق العاطفيّ – الجنسيّ , حيث لا يمكن للبديل أن يحلّ فعليّاً محلّ الأصيل .
و تقابل العلاقة بالأبّ ذات المأزق و الإحتمالات بالنسبة للبنت إذا لم يتح الأب لها الإستقلال العاطفيّ عنه .
و من هذه الحالات يفتح باب الإحتمالات كالرضوخ للشريك , و بالتالي رفض الآخر لإنعدام التكافؤ معه , فهو أيضاً بحاجة الأخذ و ليس فقط العطاء .

كما يحول التسلّط المفرط على الأبناء دون الوصول إلى بناء كيانٍٍ مستقلّ يتيح لهم القيام بأعباء الحياة الزوجيّة الراشدة , ليس حياتيّاً فقط , بل عاطفيّاً – جنسيّاً كذلك .
و تحمل حالات الإجداب العاطفيّ في علاقات الوالدين بالأبناء إمكانيّة إعادة إنتاجها عند هؤلاء حين يكبرون , و بالتالي ينجم تدنّي القدرة على التبادل العاطفيّ أخذاً و عطاءً .

فعمليّة الفطام و النظافة عند الطفل هي بذور عرقلة النضج العاطفيّ – الجنسيّ , فالرضاعة بالإضافة لكونها عمليّة إشباع الحاجة الفيزيولوجيّة للطعام , فهي تجربة وجوديّة كلّيّة يرتبط فيها الحليب بالحبّ و الإحساس بالدفء و الرعاية و التواصل المكثّف جسديّاً و لغويّاً بين الأمّ و الطفل , فهي تجربة غنيّة علائقيّاً تهيّء الطفل على المستوى العاطفيّ – الجنسيّ للولوج بثقة في العالم في سنّ الرشد . فقد يولّد الفطام المبكّر و المفاجئ حالةً من التثبيت على المرحلة الفميّة , و التي لم تحظَ بالإشباع الكافي الذي يهيّئ المجال لتجاوزها . و هنا يبقى الشخص و لو أصبح راشداً متعطّشاً للتعلّق الطفليّ بدور المتلقّي و بذلك يفقد أهليّته لتوفير شروط التبادليّة في العطاء التي يتطلّبها الرباط الزوجيّ . كما يولّد التدريب المتسرّع و المتشدّد على النظافة عند الطفل من قِبَل الأهل , نمطاً من الشخصيّة الوسواسيّة الكماليّة التي لا قدرة لها على العطاء العاطفيّ .

تشكّل حالات الإنشطار ما بين العاطفة و الرغبة الجنسيّة حالة بارزة من حالات قصور النضج على هذا المستوى , ففي حالات الصحّة النفسيّة يتكامل هذان البعدان في توجّه واحد نحو علاقة واحدة مع قرين من الجنس الاخر , تتصف بالإستقرار و القدرة على توفير كلّ من الإرضاء العاطفيّ و إشباع الحاجات الجنسيّة . إلاّ أنّ هذا التكامل قد لا يتحقق خلال عمليّة النموّ و الدخول في مرحلة الرشود .

و نجد عندها أنفسنا بإزاء حالات ينشط فيها كل من بعدي العلاقة باستقلال متفاوت في مقاديره عن البعد الاخر , فالشخص من الجنس الآخر الذي يمكن أن يستقطب العاطفة و الحبّ , ليس هو الشخص عينه الذي يشكّل موضوع الرغبة الجنسيّة , و قد يحدث أن يحبّ الواحد من هؤلاء شخصاً معيّناً و يشعر بعلاقات عاطفيّة رقيقة , بينما هو ينجذب جنسيّاً إلى شخص آخر ذي خصائص مغايرة كليّاً .

ويغلب أن يرتبط زوجيّاً بشخص من النوع الأوّل على أساسٍ عاطفيّ أو أجتماعيّ أو عقلانيّ , بينما تظلّ الرغبة الجنسيّة غير مشبعة بما يكفي و هو يفتح بالطبع مختلف ألوان إزدواجيّة في السلوك , و احتمال تعدّد العلاقات ممّا يلغّم الرباط الزوجيّ . نحن هنا إزاء حالة التناقض ما بين الواقع و الرغبة .

و الحقّ يقال أنّ هناك أسباب عديدة لحالات الإنشطار هذه , إلا أنّ أحد الأوجه, قصور النضج على هذا المستوى . ففي حالات النضج العاطفيّ الجنسيّ المميّزة للصحّة النفسيّة , يمثّل كلّ من الزوجين عدّة أدوار و يشبع عدّة رغبات للآخر في الآن عينه , و على التوالي . فالزوجة هي القرين و الشريك و الأمّ و الطفلة . و الزوج كذلك مزيج من هذا كلّه تبعاً للظروف و لحاجات الطرف الآخر و تطوّر العلاقة الزوجيّة .

تعدّد الأدوار هذا يسبغ على الحياة العاطفية الجنسية تنوّعها و غناها و قدرتها على تجديد الإشباع و توثيق الروابط .

إن تكامل الرغبات و الأدوار يحتاج إلى مستوى معيّن من الصحّة النفسّية و النضج, مما لا يتوفّر للكثيرين. و هو ما يجعل في الحالات العادية الاختيار الزوجيّ غير كامل. و يحتاج بالتالي إلى جهدٍ هامّ لصيانة استمراريّة الرباط الزوجيّ و تعزيزه و إغنائه. من هنا القول بأن الوفاق الزوجيّ ليس أمراً يُعطى بل هو جدارةٌ تُبنى انطلاقاً من مستوى النضج و القدرة على الإشباع المتبادل و مروراً بإرادة التوافق مع الآخر و التنبّه لأوضاعه و حاجاته و مراعاتها. و هكذا فإنّ الرباط الزوجي في حالات توافقه كما أزماته مسيرة دينامية أبعد ما تكون عن الجمود . إنّه حالة من التكون الدائم في اتجاه الاستقرار و النماء أو التدهور تشكل حصيلة تفاعل و تضافر المتغيّرات الخارجيّة و العلائقيّة و الذاتيّة في اتّجاه التعزيز المتبادل أو التعديل المتبادل . و يعود ذلك بالطبع إلى تنوّع الظروف الخارجيّة التي تشكّل بيئة العلاقة الزوجيّة و تغيّرها من ناحية و إلى تنوّع الحاجات و التوقّعات و التوازنات الذاتيّة و تحوّلاتها خلال مسيرة الحياة من ناحية ثانية .
و من الطبيعي أن يحدث تغيّر الهرميّة و الأولويات في الحاجات و المتطلّبات كالحاجات الجنسيّة و العاطفيّة عندما يتم التركيز عليها أولاً فسيتتبعها شبع مؤقّت يفسح المجال لظهور حاجاتٍ أخرى كالمكانة و إثبات الذات , و تنشأ الأزمات حين لا يتيسّر للرباط الزوجيّ مرونة كافية لمراعاة هذا التحوّل في الأولويات .
و يتمّم هذه الديناميّات و التحوّلات حالة الازدواجيّة و التجاذب التي تميّز الرباط الزوجيّ , فالمسألة ليست مجرّد وفاق و انسجام , أو تعارض و تناقض , بل هي ذات درجات و مستويات في كلٍّ من التوافق و التعارض في الآن عينه.

هناك دوماً توافق ولقاء على مستوياتٍ و تعارض و تناقض على أخرى , هناك تعّلقٌ و ارتباط في جوانب و إحباطات و صراعات في جوانب أخرى , و هو ما يجعل العلاقة مع الآخر نوعاً من مزيجٍ فريدٍ من إمكانات الّلقاء و الإرضاء , و إمكانات التباين و الإحباط .

كلّ من الزوجين يتعّلق بالآخر و يندفع إليه في جوانب و يعيش كإحباط له و كعقبة وجوديّة إزاء تحقيق رغباته في جانب أخر ..... فكيف ستتطوّر هذه الحالة ؟

قد يتم التطوّر اتّجاه التسويات و التوافقات مما يحجّم التباينات و التناقضات و الإحباطات , أو هي تتطوّر باتّجاه تصعيد التناقض مما يبطل فاعليّة و قدرة قوى الجذب و الارتباط , أو هي تؤجّج ملفّ الصراعات على قاعدة حدٍّ أدنى من العيش المشترك تبعاً للقيود الذاتيّة و الخارجيّة المفروضة على حركيّة كلّ من الطرفين .


المراجع :
سيكيولوجيّة الإنفصال (جون بولبي) ترجمة عبد الهادي عبد الرحمن
الصحّة النفسيّة من أجل جودة الحياة (طلعت منصور)
الصحّة النفسيّة (مصطفى حجازي)

16‏/01‏/2009

كابوس

مصباح الحق

melhaq1@gmail.com

تصببت عرقاً عندما انتهى الكابوس الذي انتابني، وكلي أمل ألا تتعرضوا لهذه الثواني الحرجة في حياتكم. رأيت نفسي متقمصاً شخصية ما يدعى الإله، جالساً على كرسي عرضه السموات والأرض، تحمله ملائكة مخلصة بملل. بدأ الكابوس عندما صرفت النظر عن الكون الفسيح، وألقيت نظرة شاردة من عليائي إلى الأرض، فتلطخت عيناي بدم حار جداً نفر من جسد أحد عبادي. لم أستطع التمييز، كعادتي، إن كان مصدر التلطيخ والتلوث ذكراً أم أنثى من شدة ما أصابني من حرقة، لدرجة أني لم أقف طويلاً للتمحص عما إذا كان المغدور أو المغدورة يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً حسب الخطوط العريضة لجبهاتي السماوية، فأنا لا أفرق بين جنودي إلا بالتقوى حسبما جاء في الكتب.التزمت صمت القبور وعضضت على أسناني لأكبح غضبي المعروف عني، محاولةً مني للتكهن بسبب عدم توخي الفاعل الحذر وارتكابه لهذا العمل الطائش، فعلى ما يبدو أن البشر عقلاء ولديهم ما يوحي بأنني انتظرهم في سدرة المنتهى ولن يفلتوا من عقابي. استغربت هذا العمل واستنكرته وقررت- للمرة الأولى- أن أنظر في الأسباب التي حملت هذا المصدر أن ينفر دمه في وجهي الذي لا يشبه المندوزا.هل يا ترى لأنه صدق ما افتروه عن حبي للدم، وقد مكر بي ودلقه في عيني بدلاً من ساحة الوغى الدينية التي ما فتأت تشرب وتتخضب من دمائهم؟! لابد أنه قرأ التوراة الأسطورية التي تفوح منها رائحة القتل والتصفية الجماعية بلا رحمة ولا هوادة ليعيش الشعب المختار؟! إلا أنني أتذكر أنهم استدركوا ذلك وفبركوا إرسالي أبناً لي ليراق دمه تطهيراً للبشرية وغفراناً للعقاب الجماعي الذي عشش في أذهانهم. تعاليت عن هذا الإفلاس في إيجاد الذريعة والأسلوب الدموي وفكرة الصلب، آملاً بأن يكون كبش الفداء الموهوم كفيلاً لنشر فكرة التضحية من أجل استمرار الحياة باعتدال ومحبة وسلام.لم يجد ذلك نفعاً، فقد أصر أحدهم ادعاء إرسالي له كآخر الأنبياء، وجاء لهم بكتاب ململم، وطعمه بأفكار تخدم مصالحه وأمثاله، وجزم بأنني أدعو الناس للجهاد في سبيلي وبأني أحب رؤية الدم مراقاً فيما بينهم لغبطتي ونشوتي ونصري. قال لهم أني خير الماكرين، وبأني داعر واسمح لهم بممارسة الجنس في سمواتي؟! استأصل الكثير من القيم البشرية التي أوجدوها وافتخروا بها، مثل التبني، وزاد من إفراغ جعبتي من أية رحمة، إلا للذين استشهدوا في سبيلي بالقتل والنهب والترهيب، وتركهم في حيرة من أمرهم في ذلك الشأن. كيف لهم أن يوفقوا بين جبهاتي السماوية الآن، بعد كل هذا الموروث الخرافي عني؟! أنا لا أعرف كيف سيتقاسموا المقابر بمحبة بعد كل هذا التصور الدموي عني. أوليس من الإباحية أن يشوى الكفار عراةً والمؤمنون بي ينظرون إليهم بحبور؟ كيف لهم أن يملاؤا الدنيا بفكرة أن العبادة مصدرها الخوف؟ وما دام الحال كذلك، فلماذا يسرعون بفناء الحياة برمتها ولديهم الموت قادم لا محالة؟ لعمري أنه كابوس.

13‏/01‏/2009

وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون "68" ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا "69" سورة النحل
إذا الذي أمر الملائكةُ أن َتسْجُدَ لأدم أي الإنسان فلماذا يمنع عنهُ الوحي ويرسله لنحلة ويُفضلها على الإنسان المفضل والمختار.
فلا أخفي على أحد بأنه جائني
الوحي على فترات متقطعة وأنا موجود في أحدى أجمل واهدأ زاوية على البحر الأدرياتيكي واحياً بأنه لا يوجد أي فرق ما بين وجدتها وجدتها وجدتها لآرخميدس Archimedes ودثِروني دثِروني دثِروني لطالبه السوري الكنعاني السوريالي النسطوري العظيم محمد محمدانيوس ص وآخرين.
كل من أرادَ أن يُنشئ نظام عمل إجتماعي كان يلزمه غطاء فوقي سماوي أو ما شابه ذلك وحسب العامل الجغرافي
.

12‏/12‏/2008

قراءة مغايرة لمأساة نجود وعائشة


بقلم: مصباح الحق

melhaq@gmail.com



ما أشبه اليوم بالبارحة، وما أصعب تكرار الأخطاء حتى ولو كانت تقليداً لشخصيات تدعي النبوة، ويا ليتها تحلت بأي من أخلاق من سبقها في هذا الإدعاء. والمشكلة العويصة هو تبني الليبراليين العصريين جداً مهمة الدفاع عن أسوأ شخصية عرفها التاريخ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.لقد فاجأنا شاكر النابلسي بمقاله (نجود وعائشة: فعلٌ واحدٌ وردُ فعل مختلف) بتحف يندر وجودها إلا عند المبيضين الحقيقيين عندما قام بتبرير زواج محمد من الطفلة المدللة وربط ردود أفعال تلك الحقبة مع هذا العصر، متجنياً على الحقائق التاريخية الدامغة. وحيث قام بعض المفكرين في تشويه صورة الحقبة ما قبل الإسلام وقدموا ذلك العربي مجرداً وعارياً من أية قيم أو ثقافة أو حتى فهم أو ميول تتقرب إلى الإنسانية، لدرجة أن هذه الصورة المخيفة جعلت بعض "المثقفين والكتاب" (ولغاية ما في نفس يعقوب) يقدحون بقيم وتقاليد وأعراف "الجاهلية" ويصورن الإنسان العربي في شبه الجزيرة العربية كأنه أقرب الى البهيمية منه إلى البشرية. وقد بدا لهؤلاء أن المزيد من التسخيف والتحقير في شأن عرب قبل الإسلام يخدم الصورة النورانية التي خرج بها الإسلام، ليقولوا لنا مكابرة وجهلاً بأن الإسلام هو الذي انتشل هذا الجاهل العربي من حقبة الظلام إلى مرحلة الثقافة والعلم والتطور الخلقي من كافة النواحي.ونحن نرى عكس هذه الصورة البهيمية التي يخرجها لنا بعض المفكرين، ودليلنا على ذلك يكمن في الشعر العربي وهو مرآة حقيقية لرواية شأن وحال وظروف وعقائد فترة الجاهلية ، وتدوين معرفي وثفاقي وأخلاقي وفلسفي وحياتي، فالشاعر (زيد بن عمرو بن نفيل) يعكس التصور المعرفي للكون في عصره بقوله: دحاها فلما رآها استوت على الماء أرسى عليها الجبالا ويقول الشاعر (أمية بن عبد الله الثقفي): بناها وابتنى سبعا شدادا بلا عمد يرين ولا حبال سواها وزينها بنور من الشمس المضيئة والهلال ومن شهب تلالأت في دجاها مراميها اشد من النضال ولنا أن نذكر أيضاً الشاعر (أمية بن أبي الصلت) [الذي قال عنه محمد أنه آمن بلسانه و استكثر الاستماع إلى قصائده ليعكسها في قرائنه مع بعض التحريف]، حيث يقول الشاعر: وأنت الذي من فضل ورحمة بعثت إلى موسى رسولا مناديا فقلت له : اذهب وهارون فادعوا إلى الله فرعون الذي كان طاغيا وقولا له : أأنت سويت هذه بلا وتد حتى اطمأنت كماهيا وقولا له : أأنت رفعت هذه بلا عمد، ارفق ، إذا بك بانيا كما نقرأ معاً قول (قس بن ساعدة) والذي يزيل عن تلك الحقبة الزمنية أي شبهة من الهمجية:يا ناعي الموت والأصوات في جدث عليهم من بقايا برعم خرق دعهم فان لهم يوما يصاح بهم فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقوا حتى يعودوا لحال غير حالهم خلقا جديدا كما من قبله خلقوا فيهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها المبهج الخلق ونذكر (زهير بن أبى سلمى) في قوله : فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفي، ومهما يكتم الله يعلم يؤخر فيوضح في كتاب فيدخر ليوم الحساب، أو يعجل فينتقم ومن السجع نذكر قول (قس بن ساعدة الايادي): ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وأرض مدحاة ، وانها مجردة ، ان في السماء لخبرا، وان في الارض لعبرا وكل ما جاء هو غيض من فيض ويحتاج المرء لوقت أطول للغوص في بطون الكتب والدواوين للتزيد، وما يهمنا هنا أن نعكس صورة الثقافة والمعرفة والفلسفة التي كانت لدى العربي "الجاهلي" "الهمجي" كما يصوره شاكر النابلسي. والمفاهيم والأفكار السابقة البيان هي ذاتها ما لملمه القرآن بين دفتيه، بل من سمو ورفعة تلك الحقبة نجد حتى ما أطلق عليهم اسم "الصعاليك" كانوا على غاية من الشهامة والنبل والمروءة والأخلاق، لدرجة أنه شاع عنهم مساعدتهم وصونهم للجياع والفقراء والمحتاجين والنساء عامة، ولم يهاجموا سوى الأغنياء البخلاء من سادة القوم. فهل يمكن أن نطلق صفة ("العصر الهمجي") على فترة "الجاهلية"؟ومن المعلوم بأن حياة البدو والصحراء اعتمدت على النظام العبودي وانتشرت فيه عادة التسرى بالإماء، فكان للرجل ان يهب أو يبيع أو ينكح أمته وجاريته أو يجعلها وسيلة للعيش بجبرها على البغاء؟ وهل غير الإسلام أي شيء من ذلك؟ فهاهو القرآن يقر بالبغاء بمواربة لا مثيل لها في سورة النور بنصها "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌِ." ويبدو جلياً بأن محمد حاول تحريم البغاء ولكنه أبقى علي نظام ملك اليمين ضمن ما أبقى عليه من أنظمة الجاهلية وقواعدها المجتمعية وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ {النساء/3}، بل أكتفى بالقول (إن الله غفور رحيم) لو أجبرت الفتاة على البغاء تفادياً لمواجهة عبد الله بن ابي بن سلول , الذي كان له إماء يمارسن البغاء وكان يأخذ منهن ما يحصلن عليه من اجر ، حيث يقول الطبري في أسباب نزول تلك الآية ما يلي: " أن أمة لعبدالله بن أبي امرها فزنت, فجاءت ببرد , فقال لها ارجعي فازني , فقالت والله لا افعل , ان يك هذا خيرا ( أى الزنا ) فقد استكثرت منه , ان يكن شرا فقد آن لي أن ادعه " ماذا سيحدث لمن وَمَن يُكْرِههُّنَّ ٌِ " وما هو جزاءه ؟؟.. هذا التعمد الواضح في ترك الامر مبهما على هذا النحو إنما يهدف لإفساح المجال أمام محمد لاتخاذ الموقف الذى يشاء من ابن سلول. و لا يعطي اى ذريعة لابن سلول في اتهام محمد بالسعي الي تحريض جواريه عليه او كما قال "يغلبنا على مملوكتنا"فبأي شيء نفتخر به مع مقولة شاكر النابلسي بأن قيم ("العصر الهمجي" لا تصلح لنا ولعصرنا، بعد أن أصبنا من المدنية والتحضر، النصيب الذي نحن فيه الآن. ولذا، فقد جاءت الأديان السماوية كلها قبل 15 قرناً لتردع وتهذّب تلك الأمم الخاشمة والهمجية. ولو كانت تلك الأمم راقية، وذات قيم رفيعة، وحسنة السير والسلوك لما احتاجت السماء للتدخل، والردع الديني القاسي والشديد، على النحو الذي هو في النصوص المقدسة)انتهى؟ أي ردع ديني قاسي يقصده في النصوص المقدسة، وقد انتشر البغاء والتسري والإماء بعد ما استقوى الإسلام أكثر مما كان عليه قبله، وقرأنا للتو ما قاله "الله تعالى" في قرآنه العظيم؟ ومن بعدها نتوجه للقول والاستنتاج - وليس من فراغ- أن الحقبة ما قبل الإسلام وما فيها من إشارات وومضات وإيحاءات محفوظة خلت كلها من أدنى إشارة إلى شيوع واقعة زواج من الأطفال في شبه الجزيرة العربية قاطبة، وأغلب ما يمكن التوصل إليه هو أن للفتاة الحق في التوجه لطلب الزواج عند تأخر سنها بحد أقصى الثانية عشرة، فكان لها كعلامة لذلك الطلب أن تسدل شعرها، وتضع الكحل على واحدة من عينها، وتخرج في الليل منادية (يالكاح، أبض النكاح ، قبل الصباح)، مما يؤكد حرية اختيارها لزوجها، والكل يعرف قصة (هند بنت عتبة) ومقولتها المعروفة. وكان للمرأة حق تطليق زوجها بقلب مدخل الخيمة من الشرق إلى الغرب، ويكتفى بذلك أن يحترم المُطلق رغبة زوجته. أما العصمة في الإسلام فهي بيد الرجل المستبد.وهناك لمحات تاريخية متفرقة تشير إلى أن المرأة العربية قبل الإسلام كانت تتمتع بكثير من الحقوق التي يدعي المسلمون أن الإسلام وهبها إياها. ونحن إن تأملنا هذه الحقوق ، لوجدنا أن الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة ليست إلا امتدادا وإقرارا للحقوق التي حازتها نساء ما قبل الإسلام، بل سلبها من بعضها عندما جعل تلك الحقوق مسكوبة في قوالب جمدها للأبد بالقرآن والسنة ومنعها من التطور باختلاف الزمن والبيئة، فأصبحت قيم القرآن لزاماً صالحة لنا في وقتنا هذا، وليس كما يقول شاكر النابلسي بأن ما شاع من زواج الأطفال والذي بدأه محمد تاريخياً في المجتمع العربي (لا يصلح لنا ولعصرنا)، فهو بهذا ينكر معلوم الدين بالضرورة (لكم في رسول الله أسوة حسنة) و(أنك لعلى خلق عظيم).بل أن "العصر الهمجي" تنبه إلى حقيقة أن زواج الاقارب يسفر عن الضاوين (كل ذي تشوه ولادي)، أما القرآن فقد غابت عنه هذه الفكرة وضاع الإعجاز العلمي عندما أباح الزواج من ذوي القربة، ونجد في العديد من المجتمعات العربية وباكستان وإيران حتى الآن قيام أولياء الأمور بتزويج الأطفال من القرابة أسوة بما سنه محمد. ثم يبهرنا المفكر شاكر النابلسي بقوله: (والعربي الذي كانت غرائزه تهيج هيجان غرائز الحيوان، عندما كان يشاهد في الطريق امرأة سادلةً شعرها، ومتزيّنة، يفوحُ منها عبق العطر وأريجه، فتشتهيها نفسه، ويهمّ لو يخطفها، أو يعتدي عليها في الطريق، لو أمكنه ذلك ( وهذا مبرر الحجاب في ذلك الوقت) قد تغيّر الآن، وأصبح أكثر تهذيباً، وأقل هيجاناً وغرائزية وشبقية من ذي قبل، وسيطر بعض عقله على بعض غرائزه). انتهى. وقد سمعنا عن "المغيبات" وقت محمد وعن السعر الجنسي في عصره والذي لم يحرم نفسه منه لدرجة أمره بالزواج من زينب، وضرب بعرض الحائط موضوع التبني الذي كان يعتز به (العصر الهمجي) قبل الإسلام لما فيه من إنسانية ورأفة، ولدرجة أن الآيات الناهرات والمهددات لم تقيد أو تلجم الهيجان الجنسي فاضطر محمد للقول (حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، ما من رجل يخالف إلى امرأة رجل من المجاهدين إلا وقف يوم القيامة فقال : هذا خانك في أهلك فخذ من عمله ما بدا لك فما ظنكم ) و (مثل الذي يجلس على فراش المغيّبة مثل الذي ينهشه أسود أي ثعبان من أساود يوم القيامة). فلا القرآن ولا أحاديث محمد أسعفت الهائج من الهائجة، والعكس صحيح، وللاستزادة عن هذه الأمور ننصح بقراءة (مجتمع يثرب) للكاتب (خليل عبد الكريم). فالجنس والسعر الجنسي لم يتغير مع مجيء الإسلام يا شاكر النابلسي ولن يتغير مع مجيء ديانة رابعة، بل هو العقل والتهذيب والأخلاق الإنسانية التي ترفع الإنسان لمستويات أرفع من الوضاعة التي أشرنا إليها، ولا نجد أية إيجابية في أي دين ساهم في إعلاء ذلك عند الإنسان.ومن لمحات حياة المرأة ما قبل الإسلام، نورد بعض الأمثلة العاكسة للحقوق التي تمتعت المرأة بها في (العصر الهمجي)، ونبدأ بحقيقة لا ينكرها ناكر وهي عبادة العرب قبل الإسلام المؤنث من الآلهة ، مثل اللات والعزى ومناة. وسبق أن ذكرنا الشعر ونضيف معلقة (عمرو بن كلثوم) والتي تلمح في أبياتها مجالس للنسوة وتأثيرهن الحيوي على الحياة الإجتماعية ومجرياتها. والعرف كان تخصيص أول أبيات المعلقات لذكر الحبيبة وأطلالها، وجاء الإسلام فيما بعد ليلعن الشعراء. كما أن خديجة بنت خويلد تذكرها جميع مصادر السيرة الإسلامية بالمكانة العالية التي تمتعت بها في حياة "الجاهلية" القرشية. وهي من امتلكت ثروة ورثتها عن أبيها وأزواجها، ولعبت دوراً كبيراً في التجارة، وهي التي "أمرت" محمد الزواج منها. ولدينا المرأة الحديدية (هند بنت عتبة) زوجة (أبي سفيان) التي تمتعت بسطوة ونفوذ كبيرين وهي وراء الحشد لمعركة أحد، وهي من القوة بمكان أن ردت على محمد بقولها "أنبي وحقود" عندما شتمها بقوله "هند آكلة الكبود"، وهذا يشير إلى عزتها وصلابتها وثقتها بذاتها. ونأتي على ذكر (فاطمة بنت ربيعة بن بدر بن عمرو الفزارية) والمعروفة بأم قرفة والتي ضرب بها المثل (أعز من أم قرفة) والكل يعرف ما فعله نبي الرحمة بأم قرفة. ونرجع بالتاريخ إلى حقبة وجدت فيها شخصيتين مشهورتين من النساء العربيات وهما بلقيس ملكة اليمن وزنوبيا ملكة تدمر، ونتذكر معاً قول محمد (ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة) ليقود أكثر وأكثر من مكانة المرأة ودورها في الحياة وتفوقها على الرجال، لو أتيحت لها الفرصة، فهي كفء للرجل، إن لم تبزه، وما ذلك سوى تطويع الجنس وجعل المرأة مطية للرجل وحرث له في الإسلام فحسب. من هذه الأمثلة السريعة نجد أن المرأة الجاهلية تمتعت بحق الملك والوراثة واختيار الزوج والتجارة والحكم والمشاركة الفعالة في كافة نواحي الحياة، بل حتى في النشاط الديني وترأسه، ولم نسمع أبداً عن سابقة للزواج من القاصرات قبل جناية محمد وشغفه المرضي في هذا التوجه. بل أن أبا بكر أعرب عن تردده وتفاجئه من طلب محمد للزواج من عائشة حيث تقول الرواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة، فقال لها أبو بكر : وهل تصلح له ؟ إنما هي بنت أخيه , فرجعت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ارجعي فقولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تصلح لي , فأتيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال : ادعي رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاء فأنكحه ". وعلامات الاستغراب "هل تصلح له" لا تدعم ما يذهب إليه النابلسي بأنه الموضوع كان عرفاً شائعاً، مما يدل بما لا يقبل الشك بأن ذلك الفحش الطفولي لم يكن معروفاً لدى العربي (الهمجي). ولم نسمع عن أي من أعيان ورجال عصابة محمد في ذلك الوقت من قام بنفس الواقعة، فكلهم تزوجوا من نساء بالغات إلا عمر، والذي تزوج في الجاهلية من امرأة بالغة ولم يتزوج طفلة إلا بعد أن فعلها محمد فأصبحت سابقة، وكذلك تردد علي بن أبي طالب، فالقصة تقول: –(كان عمر قال لعليّ :زوّجني يا أبا الحسن فإني سمعت رسول الله –ص- يقول : كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري .. فزوجه أم كلثوم. وفي رواية : أن عمر بن الخطاب خطب أم كلثوم فقال عليّ : إنها صغيرة فقال عمر : يا أبا الحسن زوجنيها فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد ، فقال علي أنا أبعثها عليك فإن رضيت فقد زوجتكها ، فبعثها ببرد فقال لها : قولي له قد رضيته رضى الله عنك ، ووضع يده على ساقها فكشفها فقالت له : أتفعل هذا ؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك [في رواية أخرى للطمت عينيك]) ثم خرجت حتى جاءت أباها وأخبرته بالخبر وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ! فقال : مهلاً يا بنية فإنه زوجك ). والقارئ الحيادي يرى ما نراه من تردد لدى علي واستغراب لدى أم كلثوم، فأين العرف السائد في ذلك الوقت يا شاكر النابلسي، أم أن استغراب الطفلة أم كلثوم هو من معاينة عمر للبضاعة فقط، وهو ما كان حقاً سائداً؟ فلا مكان لما يذهب إليه النابلسي بقوله (كان السبب في ذلك أن أبا بكر فعل ما فعله، ضمن سياق القيم العامة للمجتمع في ذلك الوقت.) وهذا لعيني تجني على التاريخ وحقائقه، ونحن فعلنا في هذا المقال ما قاله النابلسي في قراءة الإسلام (قراءة تاريخية من داخل التاريخ، وليس قراءة حرفية من فوق التاريخ).وما تركة الإسلام سوى تذويب هذه الحقوق بالقرآن والشريعة ومنعها من التطور حسب العصر والزمان، بل زاد الإسلام من تحقير المرأة عندما حدد تعدد الزوجات بأربعة مع فسحة واسعة للتطليق التعويضي { مع استثناء محمد لنفسه بأية صريحة (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيماً)، وما كان من عائشة الطفلة وقت إبرام الصفقة السياسية بين أبي بكر ومحمد إلا أن تقول عند بلوغها سن الرشد مقولتها المشهورة (إن الله يسارع لك في هواك) معترضة على أفعال محمد الشبقة وسعره الجنسي، ولا تقل هذه المقولة شأناً اليوم عما قالته نجود محمد (أنا الآن فرحانة بالطلاق وأريد ان أذهب لأدرس)، فلو أتاح الإسلام للمرأة تطليق نفسها والذهاب للدراسة وبنى المدارس بدلاً من المساجد لقالت عائشة أنها ترغب في الدراسة بدلاً من الانشغال بالتلاسن مع زوجات محمد، ولكان (حالنا غير هذا الحال، ومآلنا غير هذا المآل).



في موت السياسة وغياب القانون


برهان غليون: الحوار المتمدن


ما الذي يفسر ما تعرفه المجتمعات العربية من استهتار بالحياة القانونية على مستوى الدولة والمجتمع معا، وارتدادها نحو العصبية والتضامنات البدائية والاستسلام لغريزة الاقتتال والعنف؟ سؤال فاجأني به أحد مسؤولي منظمات حقوق الإنسان الدولية. في زيارته الأخيرة لباريس. وبالفعل لا يمكن للمراقب المحايد أن ينكر أن أكثر ما يسم وضع المجتمعات العربية الراهنة هو غياب احترام القانون وضعف الحوافز الأخلاقية، إلى درجة يبدو فيها وكأن القوة وحدها هي التي تقوم فيها بترتيب العلاقات وأشكال الانتظام الفكرية والسياسية والاجتماعية، التي تمتد من العائلة إلى الدولة. ولا يكاد سلوك أو جهد يقوم على أصول أو قواعد مرعية واضحة، وكل ما نقوم به، من التربية الفردية إلى الحرب، يجري تقريبا خارج أي مثال أو أطر واضحة فقهية وعلمية وسياسية، كما لو أن التقاليد التي درجت النظم عليها، بما تمثله من خبرة مختزنة وثابتة مستمدة من التجربة الانسانية الطويلة، قد ضاعت تماما، ولم يعد هناك أي مرجعية واضحة يستند إليها الفرد أو الجماعة أو الدولة في أفعالهم أو ترتيب شؤونهم وحقول ممارستهم. لا يمكن لمثل هذا الوضع إلا أن يثير تساؤلات عديدة، خاصة عندما يتذكر المرء ما حفلت به الحضارة العربية من تراث فقهي وتعلق بالتقاليد واحترام شديد للشرعية والأصول المرعية.هناك في نظري أربع تجارب أو بالأحرى محن تفسر ربما هذا الانهيار في معنى القانون في المجتمعات العربية. الأولى هي المحنة الاستعمارية. فبالرغم من تحديثها للدولة وإدارتها ومؤسساتها القانونية والقضائية، إلا أنها قوضت معنى القانون باستخدامها لتطبيقه في حقل العلاقات المدنية كغطاء لممارسة عامة غير شرعية وغير قانونية، وبقدر ما أدخلت من مفاهيم ومعايير وقيم مرتبطة بالحرية والعدالة والمساواة لتبرير تدخلها في الشؤون العربية، شكل حكمها نفسه نفيا عمليا يوميا للعنصر الرئيسي الذي تصدر عنه هذه القيم والمعايير القانونية، وهو الإرادة الوطنية والسيادة السياسية. وبينما تذرعت بتعليم شعوبنا القانون، لم يقم وجودها إلا على أساس القوة والقهر والإكراه. فالسلطة الاستعمارية هي التي أعطت المثال الأول والأهم على اغتصاب إرادة المجتمعات والجماعات والأفراد وحكمهم خارج القانون وضد إرادتهم أو بالرغم منهم. هل هناك مثال لتلاعب الاحتلال والاستعمار بمفهوم القانون والشرعية أفضل من مثال احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003؟ فكيف يمكن، بعد تجربة معسكرات عوانتانامو، وممارسة أقسى أنواع الإذلال والإهانة النفسية والجسدية التي فضحتها الصحافة الدولية، وهي ليست إلا التتويج الأخير للممارسة والسياسة الاستعماريتين في البلاد الضعيفة، والعربية منها بشكل خاص، بعث الثقة بالقانون أو الايمان بشرعة دولية أو بقيم تضامن إنسانية ما فوق قومية؟ التجربة الثانية التي ساهمت في تدمير تقاليد الشرعية والأصول القانونية، وعلمت الناس الايمان بتفوق مبدأ القوة على الحق، ونجاعة خرق القانون وسهولته، جاء على يد الاستيطان اليهودي في فلسطين. فقد اتبع هذا الاستيطان التقليد الاستعماري ذاته، لكن مع تحويله إلى كاريكاتير لدرجة أصبحت الهوة لا تعبر بين الخطاب القانوني والإنساني المعلن والممارسة العملية، القائمة على التوسع من دون حدود في استخدام القوة، والرهان الوحيد عليها لضمان وجود الطعم الاستيطاني اليهودي في فلسطين واستمراره. باستخدامها خرق القانون والاعتداء على الحريات الفردية وانتزاع الملكية والاحتيال على القوانين الدولية والابتزاز بصورة الضحية لتحقيق مصالح استعمارية آنية وبعيدة المدى معا، وبإهدارها حقوق الناس ومصالحهم، شكل قيام الدولة اليهودية الاستيطانية ضربة قاصمة لمفهوم الحق والقانون والعدالة والانسانية، وأحدث شرخا عميقا في الصمير الانساني والوعي القانوني عند أي عربي عاش التجربة الاستيطانية أو قرأ عنها. فهل يمكن لحرب التطهير العرقي التي حصلت في فلسطين الحديثة أن تبقي أي احترام لقيم انسانية مشتركة أو تترك معنى لفكرة حكم القانون وأسبقيته على القوة، مهما كان محدودا. وكيف لا يلتف الناس حول ميليشياتهم الذاتية ولا تراهنون على القوة وينتجونها خارج القانون وضده، عندما يتعرضون خلال عقود طويلة للقصف العشوائي والقاتل دون أن يحميهم أي قانون أو ترد عنهم الأذى أي دولة أو منظمة دولية؟ أما التجربة الثالثة التي تعلم منها العرب فراغ القانون من أي معنى ومضمون فهو حكم النظم العربية التسلطية الذي يقوم منذ عقود على غير قانون، أي على الشهوة كما يقول فقهاء السياسة القدماء، وإرادة التسلط والاستبداد بالرأي والعسف اليومي. فليس هناك مثال لحكم القوة والحكم بالقوة ضد القانون، واغتصاب إرادة الشعب، واعتقاداته العميقة، أفصح من نموذج النظم السياسية العربية. فهي إلا ما ندر تنفي الحقوق الطبيعية، وتتصرف بوصفها وصية أبدية على شعوبها، وتجعل من الأفراد أدوات مسيرة من قبل السلطة، لا فائدة لها في استخدام العقل ولا في التفكير في مستقبل المجتمع. فالقانون الوحيد السائد هنا هو خرق القانون، والتجريد العملي والرسمي من الحقوق المدنية والسياسية، والإذعان لإرادة السلطة وأحكامها. القانون هو إرادة الفرد الإله الحاكم، وما يصدر عنه من قول أو عمل أو سلوك، فهو أب الأمة ومربيها ومعلمها وملهمها وسيدها المطلق. وهو صانع القانون ومصدر التشريعات ومبدع السنن والتقاليد، لا شيء قبله ولا شيء بعده. وجميع الأفراد يعيشون من فضله وكرمه وتحت رعايته الشاملة.أما التجربة الرابعة التي قضت على ما يمكن أن يكون قد تبقى من معنى الحق والقانون بكل المعاني الممكنة، فهو الأصولية الدينية التي تلغي الدولة من الذهن وتتصرف وتربي الأفراد على العيش في نموذج من العلاقات الاجتماعية ماقبل دولوي، يضع الجماعة وتقاليدها وهويتها وعصبيتها قبل المؤسسات القانونية وخارجها. وهذا هو في الواقع المعنى الوحيد لقانون الشريعة الدينية الذي يسعى الاصوليون إلى نشر فكرته وتطبيقه إذا أمكن بدل القانون السياسي في إطار الدولة. مما يعني الانتقال من مناهضة الدولة القانونية كمفهوم وكفكرة ناظمة للحقيقة الاجتماعية، إلى إلغاء الدولة من الوجود وإحلال منطق العصبية والجماعة الدينية محلها. في غياب القانون، وانعدام الايمان به، والشك بجدواه، أو غياب أي رغبة للحديث فيه، لا يبقى حاكما في المجتمعات إلا القوة. وبالقوة وحدها يمكن لمن يسيطر على مقاليد الأمر من النخب السائدة أن يحتفظ بسيطرته، داخل الجماعة وداخل الدولة الجماعة معا. وبالعنف المرتبط بالقوة يستطيع أن يحل خلافاته مع من يخالفه في الرأي أو الموقع أو السلطة. فقانون القوة هو العنف والقهر والإكراه. وليس للعرب اليوم حياة جمعية سوى حياة العنف والإكراه. ولذلك ليس بمقدروهم أيضا أن يتصوروا حياة مدنية قائمة على تبادل الاحترام والثقة والمصالح والمعاني والرموز، أو على التفاهم والتواصل عبر قوانين وأصول إجرائية منظمة وثابتة. وهذا هو أحد أركان الهمجية التي تعرفها مجتمعاتنا، وتتجلى عبر الحروب الأهلية والاقتتال الداخلي واستسهال سفك الدماء والقتل والسجن والاعتقال، والسكوت على انتهاك الحقوق والمحرمات، وعبادة القوة والتسليم للأقوى. فلا حياة مدنية هناك، ولا حضارة. فالمدنية تعني قبل أي شيء آخر تطور الحياة الأخلاقية والقانونية التي تؤسس لتنظيم العلاقات بين الأفراد على مباديء أخلاقية ثابتة ومعروفة، وتسمح بحل النزاعات والخلافات في النظر والمصالح معا بوسائل سلمية، أي عن طريق الحوار والتفاهم والتسويات القائمة على تنازلات، أو بالأحرى مساهمات، مقبولة من جميع الأطراف.