16‏/01‏/2009

كابوس

مصباح الحق

melhaq1@gmail.com

تصببت عرقاً عندما انتهى الكابوس الذي انتابني، وكلي أمل ألا تتعرضوا لهذه الثواني الحرجة في حياتكم. رأيت نفسي متقمصاً شخصية ما يدعى الإله، جالساً على كرسي عرضه السموات والأرض، تحمله ملائكة مخلصة بملل. بدأ الكابوس عندما صرفت النظر عن الكون الفسيح، وألقيت نظرة شاردة من عليائي إلى الأرض، فتلطخت عيناي بدم حار جداً نفر من جسد أحد عبادي. لم أستطع التمييز، كعادتي، إن كان مصدر التلطيخ والتلوث ذكراً أم أنثى من شدة ما أصابني من حرقة، لدرجة أني لم أقف طويلاً للتمحص عما إذا كان المغدور أو المغدورة يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً حسب الخطوط العريضة لجبهاتي السماوية، فأنا لا أفرق بين جنودي إلا بالتقوى حسبما جاء في الكتب.التزمت صمت القبور وعضضت على أسناني لأكبح غضبي المعروف عني، محاولةً مني للتكهن بسبب عدم توخي الفاعل الحذر وارتكابه لهذا العمل الطائش، فعلى ما يبدو أن البشر عقلاء ولديهم ما يوحي بأنني انتظرهم في سدرة المنتهى ولن يفلتوا من عقابي. استغربت هذا العمل واستنكرته وقررت- للمرة الأولى- أن أنظر في الأسباب التي حملت هذا المصدر أن ينفر دمه في وجهي الذي لا يشبه المندوزا.هل يا ترى لأنه صدق ما افتروه عن حبي للدم، وقد مكر بي ودلقه في عيني بدلاً من ساحة الوغى الدينية التي ما فتأت تشرب وتتخضب من دمائهم؟! لابد أنه قرأ التوراة الأسطورية التي تفوح منها رائحة القتل والتصفية الجماعية بلا رحمة ولا هوادة ليعيش الشعب المختار؟! إلا أنني أتذكر أنهم استدركوا ذلك وفبركوا إرسالي أبناً لي ليراق دمه تطهيراً للبشرية وغفراناً للعقاب الجماعي الذي عشش في أذهانهم. تعاليت عن هذا الإفلاس في إيجاد الذريعة والأسلوب الدموي وفكرة الصلب، آملاً بأن يكون كبش الفداء الموهوم كفيلاً لنشر فكرة التضحية من أجل استمرار الحياة باعتدال ومحبة وسلام.لم يجد ذلك نفعاً، فقد أصر أحدهم ادعاء إرسالي له كآخر الأنبياء، وجاء لهم بكتاب ململم، وطعمه بأفكار تخدم مصالحه وأمثاله، وجزم بأنني أدعو الناس للجهاد في سبيلي وبأني أحب رؤية الدم مراقاً فيما بينهم لغبطتي ونشوتي ونصري. قال لهم أني خير الماكرين، وبأني داعر واسمح لهم بممارسة الجنس في سمواتي؟! استأصل الكثير من القيم البشرية التي أوجدوها وافتخروا بها، مثل التبني، وزاد من إفراغ جعبتي من أية رحمة، إلا للذين استشهدوا في سبيلي بالقتل والنهب والترهيب، وتركهم في حيرة من أمرهم في ذلك الشأن. كيف لهم أن يوفقوا بين جبهاتي السماوية الآن، بعد كل هذا الموروث الخرافي عني؟! أنا لا أعرف كيف سيتقاسموا المقابر بمحبة بعد كل هذا التصور الدموي عني. أوليس من الإباحية أن يشوى الكفار عراةً والمؤمنون بي ينظرون إليهم بحبور؟ كيف لهم أن يملاؤا الدنيا بفكرة أن العبادة مصدرها الخوف؟ وما دام الحال كذلك، فلماذا يسرعون بفناء الحياة برمتها ولديهم الموت قادم لا محالة؟ لعمري أنه كابوس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق