11‏/12‏/2008

بعد أن خسر حلم "الرئاسة" في بيروت...دمشق تعمّد الجنرال "بطريركا سياسيا"

10 - 12 - 2008


كتب: عريب الرنتاوي

حدث قبل عشرين عاما.كنت في نيقوسيا أدير مركزا للأبحاث السياسية والخدمات الإعلامية، في الوقت الذي كان فيه العماد ميشيل عون يخوض حرب إلغاء ضد القوات اللبنانية، وحرب تحرير ضد الجيش السوري، ونجحت بمساعدة بعض الأصدقاء اللبنانيين على تأمين "اتصال منتظم" مع الجنرال المحاصر في قصر بعبدا بطوفان من البشر، جاءوا من كل المناطق والطوائف، لتوفير "درع بشري" يحول بينه وبين المدافع والطائرات السورية المتربصة به يومذاك
.وإن لم تخنِّ الذاكرة، فقد كان الملازم (النقيب) يوسف الأندري هو الضابط المسؤول عن الاتصال بوسائل الإعلام في مكتب العماد، ومن خلاله كنا نتابع الموقف لحظة بلحظة، وعن كثب، خصوصا حين اشتد الهجوم السوري على بعبدا، ودخل سلاح الطيران على خط المعركة، ولم يتبق للجنرال سوى ملجأ القصر يلوذ إليه.ظلت معنويات العماد ميشيل عون مرتفعة، برغم كافة المؤشرات التي كانت تلوح في أفق المواجهة والصفقات الدولية، وأذكر أنني سألته ذات اتصال، وقد كان خبر امتلاكه صواريخ "فروغ" روسية الصنع من العراق، قد ذاع وشاع، ما الذي ينوي فعله بهذه الصواريخ، فأجاب أنه سيقصف بها دمشق إن استمر القصف السوري لبيروت، ويومها نَشَرتُ الحوار في صحيفة الشرق القطرية التي كان يرأسها الأستاذ ناصر العثمان، وبالمناسبة فإن حكاية صواريخ الفروغ التي قيل أن العراق كان مصدرها وكانت سببا عجّل في احتلال بعبدا، كانت شبيهة بحكاية أسلحة الدمار التي قيل بأن العراق امتلكها وكانت سببا لاحتلاله.كان العماد شيطانا رجيما في عيون كل صديق لسوريا في لبنان، وكان فارسا مغوارا ومعقد رجاء وموئل أمل لكل الموالين للعراق من اللبنانيين، ولم يكونوا كثر على أية حال في تلك الأزمنة، حتى أن أحد أبرز رموز نظام البعث العراقي في لبنان وعضو القيادة القومية للحزب الأستاذ عبد المجيد الرافعي، لم يكن قادرا على البقاء في مدينته طرابلس، خشية أن تطاله يد الاغتيالات الطويلة آنذاك، والتي طالت من ضمن طالتهم: "خالد العراقي" وأحمد المير الأيوبي.
خرج الجنرال تحت جنح التسويات والصفقات التي صاحبت حرب الخليج الثانية من موقعه كزعيم لا تشق له غبار، تماما مثلما خرج تحت جنح الظلام، وبحماية السفارة الفرنسية إلى منفاه الباريسي الطويل، والذي لم يعد منه إلا بعد أن خرجت سوريا من لبنان، إثر اغتيال الحريري وما أعقب ذلك من تطورات باتت معروفة للجميع.عاد الجنرال إلى لبنان بعد أن خرجت سوريا منه، ليبدأ رحلة تطبيع العلاقات مع سوريا، والتي توجت مؤخرا بزيارته إلى دمشق وحلب وحمص، ولقاءاته الثلاث مع الرئيس السوري، مع كل ما صاحب الزيارة من مظاهر حفاوة، لم يحظ بها – على ما أحسب – زعيم لبناني من قبل.لقد توجت سوريا، خصمها السابق وحليفها الحالي، ملكا للمسيحية الشرقية، والأرجح أن العماد ميشيل بعد زيارة سوريا، ليس العماد نفسه قبلها، لا من حيث اللغة والخطاب والتحالفات، ولا من حيث درجة الرضى عن النفس والموقع والدور، ولا أحسب أن أحدا مثل سوريا، استطاع أن يعوض الجنرال عن خسارة حلمه برئاسة لبنان، فقد عمّدته "بطريركا سياسيا" للمسيحيين عموما والموارنة منهم بشكل خاص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق